الموقف المصري | Egyptian Situation

– بعد الجريمة الارهابية اللي حصلت في المنيا، أعلنت وزارة الداخلية عن تصفية 19 شخص في منطقة جبلية بالمنيا، وقالت انهم من المتورطين في الاعتداء على الدير.

– طبعاً مفيش أي مناقشة جادة حصلت عن الخبر ده، ولاحد سأل في الإعلام عن أسباب قتلهم كلهم؟ وهل الدول بتتعامل كده؟ وهل ده مفيد فعلا بمحاربة الإرهاب؟ ده اللي هنناقشه في البوست ده.
*****

لو هما فعلا الإرهابيين يبقى حلال فيهم زعلانين ليه؟

– خلينا في البداية رغم وجود أمور غريبة زي ان الداخلية قالت هتعلن أسمائهم ولحد دلوقتي مفيش أي إعلان، وزي ان الداخلية مأعلنتش إصابة ولا واحد من قوات الأمن في اشتباك مسلح ضد 19 إرهابي، لكن لو افترضنا انهم الفاعلين فعلا، ليه قوات الأمن مقدرتش تحافظ على حياة واحد بس منهم كمصدر معلومات؟!
– إزاي نعرف باقي اعضاء التنظيم؟ خططهم الجاية لو كانوا ناويين يهاجموا كنايس تاني؟ مصادر سلاحهم وتدريبهم وتمويلهم؟ …الخ، كل دي أسئلة أمنية مهمة جدا ضاعت اجابتها باستسهال قتل ال 19 كلهم.
– النيابة العامة ونيابة أمن الدولة لحد دلوقتي مأصدروش أي بيان على الاطلاق عن اللي حصل، بيان الداخلية فقط، رغم ان مفروض الداخلية مش جهة تحقيق ولا من حقها تقول مين متورط أو لا.
– يعني لو ضربوا نار على قوات الأمن نعمل ايه؟
طبعاً في كل حتة في العالم قوات الأمن ليها حق استخدام القوة المسلحة “للدفاع عن النفس”، وبيحصل أحيانا قتل مشتبهين بالإرهاب أو جنائيين لو فتحو النار على الشرطة.
لكن الفارق إن ده بيكون الاستثناء، لكن الأصل هوا ان حتى إطلاق الرصاص بيبقى بهدف تقييد المتهمين أو اصابتهم وتمكن الشرطة منهم، تدريبات الشرطة بتكون بهذا الغرض، عشان كده شفنا مثلا في بلجيكا وفرنسا قبضوا على بعض أهم منفذي جرائم داعش أحياء، زي الإرهابي صلاح عبدالسلام، وعرفوا معلومات أسقطت شبكات داعش في أوروبا.
– ده احنا كمان شفنا القوات الليبية قبضت على هشام العشماوي حي، وده أحد أهم قادة التنظيمات الإرهابية في مصر والمنطقة، ومع كده قدروا يقبضوا عليه حي لضمان الهدف الأمني “الحصول على معلومات” .. فهل معقولة إنه القوات الليبية – رغم حالتها السيئة – عندها الكفاءة دي ومصر مفيهاش؟!

– جانب رئيسي تاني غير موضوع المعلومات هوا ان التصفيات في حد ذاتها بينهي فكرة وجود الدولة وبيخلي المجتمع كله رهين برغبات اللي شايل سلاح لما الداخلية تتحول لقاضي ومنفذ فوري .. الداخلية قوة نظامية دورها تطبق القانون، الإرهابي والمغتصب وتاجر المخدرات كل دي جرايم ليها عقوبات قانونية، وفيه محاكم مختصة بتعمل الدور ده بعد ما المتهم يتاح ليه فرص الدفاع وسماع الشهود وغيرها، عشان كده قوات الأمن مفروض اسمها “قوات إنفاذ القانون”، وبالفعل بتعديلات القوانين ونيابات أمن الدولة طواريء مفيش حجة أصل المحاكم بطيئة أو بتفرج لعدم كفاية الأدلة – مع ان ده مش غلط! – بس حتى الشكل ده برضه معادش فيه اهتمام بيه.
– والغريب إنه قتل 19 شخص والحكم إنهم الإرهابيين الفاعلين يطلع ببيان من الداخلية، ولحد دلوقتي مفيش أي بيان من النيابة العامة أو نيابة أمن الدولة اللي هما مفروض جهة الاختصاص!
*****

هل دايما اللي “بيتصفوا” بيكونوا إرهابيين؟

– ده جانب تاني من أسباب رفض التساهل مع المنطق ده، لأنه رغم وجود حالات مؤكدة وحقيقية، منها اللي حصل بمناطق معروفة واستمرت اشتباكات لساعات شافها الأهالي واستشهد أو اتصاب فيه افراد من الأمن، ومنها حالات فيها التنظيمات الإرهابية نشرت نعي لافرادها اللي اتقتلوا فعلا .. لكن فيه حالات تانية كان فيها وضع مختلف جداً، خاصة اننا بنتكلم عن تحول “التصفيات” لظاهرة متكررة في محافظات مختلفة والداخلية بتعلنها باستمرار كإنها حاجة عادية.

– أوضح قصة تصفية ظالمة هيا الخمس أشخاص اللي الداخلية أعلنت عن قتلهم في التجمع الخامس في مارس 2016، وقالت انهم تشكيل عصابي متخصص في سرقة الاجانب ومتورطين في تعذيب الباحث الايطالي جوليو ريجيني حتى الموت، واتقتلو بعد تبادل إطلاق النار، وبرضه دي مكانش فيها أي اصابة من الشرطة!
– بعدها في سبتمبر 2016 النائب العام المصري المستشار نبيل صادق أعلن في إيطاليا انه توافق مع النائب العام الايطالي ان الخمسة دول لا يربطهم بقصة ريجيني إلا “شكوك ضعيفة”، واعترف إن ريجيني كان تحت الرقابة الأمنية وإن مسؤول نقابة الباعة الجائلين المستقلين بلغ الأمن عنه .. ومع ذلك النيابة مفتحتش مجرد تحقيق مع الظباط اللي قتلوا الخمسة!
– وكمان محدش فسر لحد النهاردة ازاي الداخلية اظهرت متعلقات ريجيني وقالت لقيناها في بيت واحد من المقتولين. وزوجة أحد المتهمين أكدت انها اتعرضت للتعذيب عشان تعترف انه متعلقات ريجيني بتاعت جوزها.
– نموذج مشهور تاني هي واقعة اختطاف وبعدين “قتل” طالب الهندسة إسلام عطيتو في مايو 2015، وحسب بيان وشهادات طلاب ودكاترة هندسة عين شمس زي أستاذ المادة دي د.محمد حسن سليمان إنه إسلام كان بيمتحن داخل الكلية، وفوجئوا بعد الامتحان باختفاؤه من الكلية وغياب أي أثر ليه، الدكتور محمد قال انه شاف تفريغ كاميرا مراقبة الكلية آخر لقطة فيها اسلام بيتعرض لمطاردة من شخصين قبل ما يختفي من الكادر، وتاني يوم صدر بيان من وزارة الداخلية بتعلن فيه تصفية إسلام بعد “تبادل إطلاق نار” أثناء مداهمته في الصحراء واتهامه بقتل العميد وائل طاحون.
وبرضه محصلش أي تحقيق جاد في قصة إسلام لحد النهاردة.
*****

طيب نرجع لحادثة المنيا، هل في حاجة كان ممكن تتعمل لإنقاذ المواطنين من الإرهاب؟

– الحقيقة ان ده دور الداخلية اللي بيتم محاولة الشوشرة على الكلام عنه بقصص اننا زي الفل وأدينا صفينا الفاعلين، لان التقصير فيه واضح جدا.

– الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عمرو عزت، رصد اللي حصل من تاريخ حادثة دير الأنبا صمويل الأولى اللي حصلت في مايو 2017 – وراح ضحيته 28 مواطن – لحد الحادثة اللي حصلت من أيام، بخصوص الاتفاقات اللي حصلت بين المسؤولين عن الدير وقيادات في الدولة ومسؤولين أمنيين.

– قيادات الدير طالبوا برصف الطريق المكسر بطول 30 كم، لأنه سهل على الارهابيين توقيف العربيات وضرب اللي فيها، وبيصعب نقل المصابين، وكمان طالبوا بتقوية شبكات الاتصالات في المنطقة لأن الارهابيين استغلوا ضعف الشبكة في ضرب الأهالي براحتهم من غير ما حد يقدر يبلغ أو يستغيث، وطالبوا بتركيب كاميرات حديثة قدام الدير، ويبقى فيه قوة أمنية ثابتة لتأمينه، وقوة متحركة لتأمين القادمين والمغادرين من الدير لحد الطريق الصحراوي الغربي.

– القيادات الأمنية أكدوا انهم هيعملوا على سرعة رصف الطريق، وتأمين طريق الدير بمدرعة، بتتحرك كل ساعة توصل الزوار، وترجع بالمجموعات اللي خلصت زيارة.

– بعد سنة الرهبان بعتو رسالة استغاثة للرئيس السيسي في مايو 2018 يشكوا من عدم رصف الطريق، وإن تأمين الطريق محصلش، واتحول لمنع كتير من الرحلات بحجة صعوبة التأمين، وقالوا إن ده بيهدد مصادر دخل الدير من منتجاته اللي بيبيعها، وبيمنع دخول المواد الضرورية لحياة الرهبان، لدرجة إن محتويات بعض السيارات باظت لما تم احتجازها لفترة طويلة.

-الرهبان كمان بعتوا لمحافظ المنيا استغاثات، وكان الرد إن عندهم أوامر عليا بعدم دخول الرحلات، وكانوا بيتسائلوا : هل يستحيل على الشرطة والجيش تأمين دير الانبا صموئيل وزواره؟ وليه اتوقف رصف الطريق رغم ان فيه معاينة حصلت، واتخصص 30 مليون جنيه لرصفه وإنارته؟

– وبجانب كل الأسئلة ده اللي من غير إجابات، منين مستوى الإهمال في التأمين ده، ومنين في أقل من 24 ساعة بيحصل ضبط لعناصر إرهابية والبيان يقول انه تم “باستخدام تقنيات حديثة” ؟ ولو التقنيات الحديثة ده موجودة والمعلومات متوفرة والداخلية تقدر تجيبها بالسرعة ده، فازاي حصل كل الإهمال ده في بلد مرفوع فيها شعار “محاربة الإرهاب” من سنين؟
*****

– لو احنا في بلد قانون ومؤسسات فالمفروض ملف التصفيات الجسدية ده يتفتح، ويتحقق بجد في كل الوقائع اللي حصلت، يتعرف ايه اللي كان فعلا في اشتباك وملوش بديل إلا “الدفاع عن النفس”، وايه اللي كان وضعه مختلفـ ويتحاكم كل واحد تعمل قتل بريء أو “مشتبه” فيه عشان يقول للمواطنين انا بحارب الارهاب أهو، أو كل واحد أضاع فرصة الحصول على معلومات من إرهابي، ويتحاسب كمان كل المسؤولين اللي بتتكرر الحوادث الارهابية بسبب إهمالهم وتقصيرهم في التأمين وفي اتخاذ إجراءات “من صميم واجبهم”، وللسبب ده مطرانية المنيا طالبت في بيان ليها بمحاسبة المسؤولين عن تأمين الدير وتقديمهم للمحاكمة.

– محاربة الإرهاب مش معناها إنه القانون يتم وقف تنفيذه، ومش معناها إن الدولة تخرج عن منطقها، وتسيب أشخاص أو مؤسسات يتصرفوا بطرق العصابات.
– مفيش أي أمان بدون عدالة ومحاسبة واختيار الكفاءات ورقابة مجتمعية، لو كان عندنا مناخ حر كان المفروض الأسئلة ده تكون هي النقاشات الرئيسية في وسائل الإعلام وفي البرلمان.
*****