– قبل يومين مصر تلقت خطاب رسمي من أثيوبيا بالبدء الرسمي للمليء الثاني لخزان سد النهضة، طبعا الخطوة الأثيوبية مكنتش مفاجئة أثيوبيا أعلنت أنها حتبدأ الملئ الثاني بغض النظر عن المفاوضات.
– التطور ده بيحصل قبل انعقاد جلسة لمجلس الأمن بكرة الخميس بناء على شكوى قدمها السودان وتضامنت معها مصر.
– أيضاً تونس قدمت مشروع قرار لمجلس الأمن يدعو أثيوبيا لوقف ملء سد النهضة.
– التطورات دي بتعيد للأذهان أسئلة متكررة على ألسنة المصريين، واتكلمنا عن معظمها في بوستات سابقة، واليوم بنذكر بيها وبنشرح السيناريوهات المطروحة حسب التطورات في المنطقة والعالم.
**
إيه اللي حصل بالأيام الأخيرة؟
– وزارة الري المصرية أعلنت أنها تلقت الاخطار من اثيوبيا، ومصر ردت علي الخطاب الأثيوبي برفض رسمي للاجراء الأحادي، وكذلك السودان رفضت الاجراء ده. كمان وزارة الخارجية أسلت نسخة من خطاب الرفض المصري لمجلس الأمن عشان يتطلع علي التطورات اللي حصلت في يوم 8 الجاي في الجلسة الخاصة به.
– الملئ الثاني كان مخطط له يكون في حدود 13.5 مليار متر مكعب مياه، وده علي أساس أنه كان المفروض يتم تعليه السد عشان يوصل ل595 متر ارتفاع ، لكن لم يتم اكتمال البناء في السد والمسؤولين الاثيوبيين قالوا ان الاسباب ليها علاقة بتأمين السيارات اللي بتنقل الاسمنت وايضا بسبب الاحوال الجوية، لكن ايضا وارد وجود اسباب ليها علاقة بالحرب الأهلية في إقليم التيجراي الأثيوبي.
– بالتالي دلوقتي وبالحسابات الحالية لارتفاع السد عند 573 متر فقط أثيوبيا ممكن تملي فقط في الملئ الثاني 3-5 مليار متر مكعب مياه فقط يعني أقل ب10 مليار متر تقريبا عن المخطط له في البداية.
– رئيس مجلس الأمن قال في تصريح للصحفيين من يومين بعد دعوة السودان لجلسة طارئة لبحث المشكلة ” لن يكون بمقدورنا حل مشكلة سد النهضة، لكن سندعو الدول الثلاث إلى الحضور وسنشجّعها على التفاوض”
– طبعا تصريح زي ده فيه مشكلة ويوحي بدور سلبي، لكن سامح شكري وزير الخارجية قال أنه مصر ليست متفاجئة من موقف مجلس الأمن وانه مصر متوقع دور أكبر من مجلس الأمن.
– أثيوبيا طبعا لسة رافضة ادخال مجلس الأمن من الأساس وبتقول أنه ده مش من اختصاصاته وأنه اللجوء لمجلس الأمن هي محاولة للضغط عليها.
– أيضا الجانب الأثيوبي بيقول أنه الملئ الثاني للسد ده لازم يحصل وأنه مفيش منطق ورا الطلبات المصرية والسوادنية بتأجيل الملئ الثاني للسد وده لأنه من الناحية التقنية المياة حيتم احتجازها ورا السد بكمية محدودة لن تؤثر السنادي على تدفقات المياة.
–
– بالتالي الوضع الحالي هو أنه أثيوبيا مستمرة في التعنت والإجراءات الأحادية ومحاولات الاستغلال السياسي الداخلي لأزمه السد لتحقيق مكاسب للنظام السياسي هناك.
– كان ممكن يتم تأجيل الملئ الثاني لحد ما يتم استكمال الانشاءات وساعتها كانت أثيوبيا حتكون قادرة علي تخزين 13 مليار مش 4 مليار بس في الملئ الثاني، لكنهم قرروا يبدأوا في الملئ الثاني عشان اعتبارات المشاكل الداخلية في البلاد.
– بعد هزيمة الجيش الأثيوبي في تيجراي وسيطرة جبهة تحرير تيجراي علي عاصمة الإقليم، واستعراضهم اسرى الجيش الاثيوبي بالآلاف بشكل مذل، بالتالي كان من المهم لحكومة آبي أحمد البحث علي انتصار ولو صوري قدام شعبها.
– أثيوبيا بتواجه انتقادات دولية كبيرة جدا عن الانتهاكات اللي حصلت في الحرب دي، وايضا عن خطر المجاعة في ظل منع وصول المساعدات الدولية.
ايه الخطوات اللي مازالت ممكنة؟
– من المنتظر نشوف رد الفعل الأثيوبي علي جلسة مجلس الأمن يوم الخميس اللي جاي واللي بناء عليها مصر المفروض تتحرك قبلها وبعدها لتكثيف الضغوط علي الجانب الأثيوبي.
– عودة التواصل المصري الأمريكي بخصوص الملف ووجود مدير المخابرات عباس كامل بالإضافة للتطورات في الخطاب الإعلامي وخاصة كلام الجيش الواضح والمباشر في افتتاج قاعدة 3 يوليو قد يشكل ضغوطات أكبر علي أثيوبيا.
– وان كانت أثيوبيا يعني أثبتت في خلال السنوات اللي فاتت كلها أنها مش بتستجيب للضغوطات إلا إنه الوقت الحالي مناسب بسبب مخاوف الأمريكان والأوربيين من وضع حقوق الانسان في أثيوبيا وخاصة مع الحرب في التيجراي واللي خلت أمريكا تفرض عقوبات علي أثيوبيا.
– تناقص الدعم الدولي لأثيوبيا وخلاص التغير اللي حصل في رؤية أبي أحمد كرجل سلام في المنطقة اللي نجح يرسمها في الأول ده في مصلحتنا ولازم نشتغل عليه مع الأطراف الدولية الموثرة وخاصة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
– روسيا والصين في الوقت الحالي مهم جدا يتضامنوا مع الموقف المصري السوداني لأنه موقفهم لحد دلوقتي متأرجح وأقرب لأثيوبيا بسبب الاستثمارات الصينية المكثفة في السد وما بعد السد كاستثمارات زراعية. بالتالي محتاجين المزيد من الاقناع للاتنين أنه من مصلحتهم أنه يكون في اتفاق علشان متحصلش حرب وتخسر الصين فيها استثمارات في اثيوبيا.
– كمان محتاجين مزيد من التنسيق ودعم المواقف بين مصر والسودان، شوفنا ده بيحصل الفترة اللي فاتت علي المستوي العسكري ومحتاجين ده يحصل علي المستوي الاقتصادي بزيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين وتطوير استرتيجية مصرية سوادنية موحدة للمياة.
– ممكن كمان نشتغل علي ده علي نطاق دول حوض النيل وشوفنا كلام الفترة اللي فاتت عن مساعدة مصر لجنوب السودان في بناء سد علي النيل الأبيض وده شيء مهم ودعاية جيدة أنه مصر مش ضد التنمية في دول حوض النيل.
****
هل لا بديل عن الحل العسكري الآن فورا؟
– الكلام ده مش مظبوط، لأنه بيحصر نفسه في صورة واحدة للتدخل العسكري ده اللي هوا قصف السد، وده ليس الخيار الوحيد، مهو وارد كنا نوقع اتفاقية ملزمة وكله تمام وبعد سنوات تيجي حكومة اثيوبية تخالفها مثلا هل وقتها هيكون خيارنا الوحيد الاستسلام؟
– الغزو البري بالتعاون مع السودان هيفضل سيناريو تاني ممكن دايما نظريا ممكن لأن السد قريب جدا من الحدود السودانية، وكانت الخارجية السودانية لوحت سابقا في احد بياناتها بيه لما قالت نذكر اثيوبيا ان الاتفاقات التاريخية اللي بترفضها ممكن لو اتلغت تهدد السيادة على اقليم بني شنقول اللي فيه السد، لان المنطقة دي كانت تابعة للسودان واتنقلت لاثيوبيا بموجب معاهدة ضمن بنودها عدم اقامة منشآت على النيل بدون اتفاق.
– أيضا سيناريو تالت هوا دعم فصائل اثيوبية مسلحة.
– مسألة امتى بالظبط يكون مينفعش ابدا قصف السد بعد وصول حجم المياة لمستوى معين دي فيها تقديرات مختلفة بين الخبراء، وبعضهم بيحذر من خطورة رهيبة وبعضهم شايف ان السد مبني بين جبلين وهيفضل التدفق منه ممكن استيعابه. لكن مؤكد انه لسه فيه هامش لمحاولة تجنب الحل ده، أو على الاقل للتصعيد الجزئي التدريجي مش مرة واحدة.
– التصعيد التدريجي يعني سيناريو زي مثلا اللي حصل في قاعدة الوطية في ليبيا لما (طيران مجهول) قصف مضادات جوية تركية هناك، ولحد النهاردة مفيش تأكد مين اللي عمل كدة، لكن بعدها حصل تسارع في المسار السياسي بعد ما كل طرف في ليبيا وداعميه وصلوا لقناعة انه مستحيل ينتصر بالكامل.
***
هل عندنا القدرة؟
– مسألة القدرة العسكرية المباشرة وهل طائرات الرافال مداها وحمولتها يوصل السد بشكل فعال ولا لا؟ وهل عندنا قدرات التزود بالوقود في الجو بشكل كافي؟ وهل عندنا قنابل تقدر تؤثر في جسم السد زي “القنابل الفراغية”؟ وهل عندنا قدرات تجاوز منظومات الدفاع الجوي الروسية اللي بتملكها إثيوبيأ؟
– ولو كان الوضع هوا غزو بري ايه امكانيات الحرب في تضاريس جبلية وغابات صعبة جدا؟ وإلى أي مدى مصر تقدر تتحمل التكلفة المادية والبشرية لو دخلنا في مسار حرب طويلة مش قصيرة واثيوبيا ليها خبرة بالحروب اللي تستمر عقود.
– دي كلها أسئلة بيناقشها المتخصصين العسكريين، وكمان طبيعي دي أسرار دولة محدش يعرف بدقة الحجم الكامل للقدرات العسكرية اللي عند الدول بشكل عام، لا مصر ولا إثيوبيا، لكن من المؤكد احتفاظ مصر بأفضلية واضحة جدا في كل البيانات المنشورة حول أحجام الجيوش والتسليح.
– لكن كمان الأسئلة السياسية لا تقل صعوبة هل مصر تقدر تحتوي وتتعامل مع النتائج بعد الضربة؟
العوامل تشمل على سبيل المثال:
١- رد فعل إثيوبيا على المدى القصير والطويل، هل هتحاول كاجراء انتقامي منع تدفق النيل بأي شكل؟ هل هتحاول الرد عسكريا بأي صورة ولو ضد مصالح مصرية في إفريقيا؟
٢- رد الفعل السياسي الإفريقي، وأوله من الدول اللي مفروض الطيران يعبر فوقها السودان أو إريتريا، اللي ممكن يوصل طرد مصر من عضوية منظمة التعاون الإفريقي أو مقاطعتها سياسيا واقتصاديا، وربما في المستقبل تكتل دول المنبع ضدنا، ويرسخ صورة مصر كدولة “مستعمرة” تتعامل بتكبر مع الأفارقة كما تقول الدعاية الإثيوبية.
٣- رد الفعل السياسي الدولي، وأكتر سيناريو بيقلق صانع القرار المصري بطبيعة الحال هوا سيناريو صدام حسين وغزو الكويت، واللي وصل لفرض عقوبات دولية وحصار، وده اتكرر مع حالات تانية زي الأضرار الجسيمة اللي تعرضلها الاقتصاد الروسي رغم انها دولة كبرى لما أمريكا وأوروبا طبقوا عقوبات بعد عملية غزو القرم في أوكرانيا عام ٢٠١٤.
وبالطبع مينفعش يتقارن الموقف الدولي لمصر بالدعم المتاح لإسرائيل في عمليتها لقصف المفاعل النووي العراقي عام ١٩٨١.
– لكن في المقابل البعض بيقول ان في الوضع الحالي العديد من الدول تدخلت عسكريا ولو خارج القانون الدولي ومحصلش رد فعل جسيم، خاصة في ظل سياسية الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط اللي أخدها ترامب، وفي ظل أهمية ملفات اللاجئين والإرهاب اللي بيد مصر لأوروبا.
– والحقيقة إن مخاطر الحل ده العسكرية والسياسية تخلي فعلا مش مطلوب حد يطرحه بسهولة أبدا، وتفضل الأولوية لاستنفاد كل الوسائل الأخرى، واننا بكل صدق نحب الخير والتنمية للإثيوبيين ولكل الشعوب الافريقية، مع استمرار تعزيز قدراتنا العسكرية لأسوأ الاحتمالات ووقتها يكون إضطرار شديد مش اختيار أبدا.
**
– من بداية تفاعلنا مع ملف السد ولحد دلوقتي في تأكيد على أكثر من حاجة منها أنه ملف المياه أعقد من مشكلة السد ويحتاج تفكير وتخطيط من الحكومة داخليا، وكلنا نكون على وعي بيه لأننا حتى لو مفيش سد خالص عندنا أزمة مياة.
– بنكرر كلامنا السابق إن مسألة مياه النيل أكبر حتى من كونها أمن قومي لكل مصري، دي حياة أو موت لمصر حرفيا، مفيهاش مؤيدين ومعارضين، ومطلوب السلطة تمد يدها بخطوات إيجابية لتوحيد جهد كل المصريين بالداخل والخارج بشراكة حقيقية، ونتمنى نشوف تعامل على قدر التهديد الكبير ده لأمننا المائي والغذائي، من كل الأطراف الرسمية والشعبية في مصر، وبالتأكيد إحنا مع كل الاختيارات اللي تضمن حقنا كمواطنين مصريين في مياه النيل.