– من أسبوع أعلن رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات أنه حيتسقيل من منصبة في يناير الجاي، وطلب من حزب العمال الحاكم في مالطا انتخاب رئيس للحزب غيره يتولى هوا رئاسة الوزراء.
– ده حصل لأن مالطا، الي هيا عضو بالاتحاد الأوروبي، بتعيش حالة اضطراب سياسي بقالها أكثر من سنتين بسبب تداعيات اغتيال الصحفية الاستقصائية دافني كاروانا جاليزيا.
– الصحفية اتقتلت يوم 16 أكتوبر 2017 بعد تفجير سيارتها بقنبلة، بسبب عملها في الصحافة الاستقصائية حول الفساد في البلد، وجهات التحقيق قدرت توصل للأشخاص اللي فجروا القنبلة لكن لسه معرفوش مين اللي أمر بالقتل.
– هنحكي لكم النهاردة قصة الصحفية؟ وليه قتلها تسبب في أزمة سياسية كبيرة في مالطا؟ وبالطبع ايه اللي ممكن نشوفه في قصة زي دي؟
ايه قصة الصحفية؟
– قبل قتلها في أكتوبر 2017 كانت دافني شغاله علي تحقيق صحفي حوالين ملكية شركات برة مالطة بغرض التهرب الضريبي، ضمن الوثائق المعروفة باسم “أوراق بنما” اللي اشتغل عليها صحفيين كتير حول العالم وكشفت شبكة ضخمة من الشركات المسجلة في “ملاذات ضريبية” لكتير من السياسيين ورجال الأعمال من جنسيات كتير.
– من الناس اللي حققت الصحفية في أملاكهم وزراء سابقين وزوجة رئيس الوزراء الحالي موسكات.
– دافني كانت بتشغل كمان علي عملية بيع الجنسية المالطية للعصابات الروسية والأغنياء من منطقة الشرق الأوسط عشان ياخدو باسبور الاتحاد الأوروبي بما أنه مالطا عضو في الاتحاد الأوروبي، وازاي الشبكة دي من الفساد كانت مرتبطة برئيس الوزراء الحالي جوزيف موسكات وأشخاص قريبين منه زي مدير مكتبه ومراته وأصدقاؤه من رجال الأعمال.
– دافني كتبت كثير قبل ما تموت عن قصص الفساد دي، لحد ما ماتت في أكتوبر وهي لسه شغالة على قصة أوراق بنما الخاصة بسياسيين مقربين من رئيس الوزراء.
– بعد موتها حصلت تطورات كبيرة في البلد، احتجاجات كبيرة في البلد للمطالبة بمعرفة مين اللي قتلها، واستقالات متتالية لسياسيين، ودا استمر لحد السنة دي.
******
ليه قتل صحفية يعمل أزمة سياسية؟
– مالطا هي بلد صغير في أوروبا، سكانها أقل من نص مليون نسمة، وفيها معدلات فساد عالية مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبي خاصة في مواضيع زي غسيل الأموال، بيع الجنسية وغيرها.
– لما الناس أدركت أنه موت دافني كان بسبب عملها علي قصص الفساد دي، خرجت احتجاجات كبيرة ضد فساد رئيس الوزراء والأشخاص المحيطين بيه، واتهموا رئيس الوزراء بتعطيل تحقيقات النيابة.
– الاحتجاجات الشعبية ضغطت بشكل كبير للإسراع في التحقيقات، وفي 14 نوفمبر اللي فات قبضوا في المطار على سواق تاكسي بيحاول يهرب 200 ألف يورو لاسطنبول في شنطه سفرة، لما اتقبض عليه السواق قالهم أنه عايز حصانة في مقابل منح معلومات عن قضية قتل دافني.
– السواق قال أنه كان الوسيط في نقل الفلوس من رجل الأعمال يورجين فينش للأشخاص اللي قتلوا الصحفية، وبعدها تم القبض على رجل الأعمال اللي يعتبر في الدائرة القريبة من رئيس الوزراء الحالي.
– رجل الأعمال نفى في البداية أي علاقة ليه بالقضية، لكن بعد كدة عرض أنه يدلي بمعلومات ليها علاقة بالقضية في مقابل الحصانة وقال انه يعرف ناس في مكتب رئيس الوزراء وسياسيين أخرين ليهم علاقة بمقتل الصحفية.
– بعدها بيومين استقال مدير مكتب رئيس الوزراء وفي أول ديسمبر الحالي طلع رئيس الوزراء أعلن استقالته في يناير بسبب المظاهرات الشعبية اللي بتتهمه بقتل الصحفية.
ايه اللي ممكن نشوفه في القصة دي؟
– قصة الصحفية دافني ومقتلها بتوضح تاني أهمية الصحافة الحرة، الصحافة مش بس بتكشف المعلومات لكنها جزء من الصراع حوالين الديمقراطية ومحاربة الفساد في البلد.
– القصة بتقول برضه أنه حتى لو انتا بلد ديمقراطي فمفيش ما يمنع أن السياسيين أو رجال الأعمال المحيطين في دوائر صنع القرار يكونوا فاسدين أو حتى قتلة، مفيش بلد مثالي طاهر، لكن المهم هو المؤسسات اللي بتحارب الفساد دي يكون عندها المرونة والكفاءة الكافية إنها تتعقب الفاسدين بغض النظر عن هما مين وإيه مناصبهم، والشعب يكون في إيده وسائل للمقاومة، ومفيش فرد بعينه يقدر يسجن معارضيه ويمنع الشعب من حقوقه.
– عندنا في مصر قصص فساد السياسيين والمسؤولين ورجال الأعمال كثيرة، لكن مفيش منهم حد بيتعرض للمسائلة الجدية، طالما الصحافة مبتقدرش تعمل شغلها بحرية، ولا القضاء مستقل، ولا الانتخابات الي هيا وسيلة المحاسبة الشعبية الأهم نزيهة.
– طول القصة اللي حصلت، قبل وبعد مقتل الصحفية محدش من السياسيين هناك طلع قال شوفوا دافني دي ممولة من الخارج أو بتشتغل لمصلحة دولة تانية؟ أو انه هدفها هو هدم الأمن القومي؟ كل ده متقالش، ولما الصحفية اتقتلت جهات التحقيق عملت دورها ووصلت للجناة وبتستمر في التحقيق في قضايا الفساد اللي كشفتها دافني لحد ما وصلت لراس السلطة، والمواطنين خرجوا في مظاهرات عشان عارفين إنه الصحافة هي حمايتهم الأولى والرئيسية.
– ده بيؤكد قد ايه دولة المؤسسات وحرية الصحافة هي الضمانة الحقيقية والوحيدة لمكافحة الفساد، مينفعش نهدم كل المؤسسات الرقابية ونعتقل رؤسائها السابقين زي المستشار جنينة أو نقلل من صلاحياتها ونجعلها مؤسسات تابعة للرئاسة أو ممنوعة من أداء أدوارها زي البرلمان، وبعدين نسأل فين دور المؤسسات الرقابية دي أو ليه الفساد والسرقة وانتهاكات القانون مستمرة.
– أغلب القضايا اللي بتفرض نفسها من كشف تجاوز مسؤول أو فشل في ملف أو واقعة فساد بقا مصدرها الوحيد هو إنه الناس تنشر بنفسها على الفيسبوك، لأنه المنصة الوحيدة اللي مفيش رقابة سابقة على محتواها، وبتضطر السلطات والمؤسسات التحرك بعد الانتشار على الفيسبوك، إنما جريدة أو قناة تقدر تمارس دورها ده بقا مستحيل.
– وقائع فساد زي اللي اتكلم عنها محمد علي مثلاً مفيش صحفي في مصر يقدر يتابعها أو يحقق فيها لأن مصيره السجن ومصر بقت في المركز التالت بأعلى دول العالم في حبس الصحفيين بعد الصين وتركيا، وشفنا مؤخراً اقتحام موقع “مدى مصر” المحجوب أصلا عشان بس بيعمل شغله.
وبكدة مفيش صحافة في مصر قادرة تعمل تحقيق عن شبكات الطرق الجديدة اللي بتتعمل والمواصفات بتاعتها، مفيش صحافة هتقدر تتابع حركة البيع ونسب الانتهاء من العاصمة الادارية وتكاليفها الحقيقية، مفيش صحافة مصرية تقدر تكشف وضع السجون في مصر على حقيقته ومستويات الأكل والنظافة والإهمال الصحي، الصحافة في مصر مبقتش تقدر تنشر حاجة برة “السكريبتات” اللي بتتوزع من الأمن عن طريق “جهاز السامسونج” المشهور.
– حرية الصحافة مش رفاهية، دي ضرورة في أي بلد عاوزة تتقدم ويبقى فيها مؤسسات حقيقية تراقب سيادة القانون والعدالة، ولما ده مبيحصلش فالإنجاز مهما حصل هيفضل محاط بخطر الفساد والإهمال والجريمة لأنه الحساب والرقابة غايبة.
****