– الشهر اللي فات قام وزير قطاع الأعمال هشام توفيق بجولة تفقدية لمصنع الدلتا للصلب لمتابعة خطة التطوير اللي بدأت في إعادة إحياء المصنع، وتحويل خسائره لأرباح.
– النموذج الإيجابي اللي قدمه الدكتور مدحت نافع، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، في رفض الحل السهل بالتصفية والخصخصة، وبالمقابل رفض الاستمرار في الخسائر على حساب الحكومة يستحق الاشادة واننا نشوف ازاي دراسات الجدوى والأساليب العلمية في الإدارة ممكن تغير حاجات كتير لو تم تعميمها على البلد كلها.
– شركة “مصانع الدلتا للصلب” تم تأسيسها سنة 1947 ودي من أقدم الشركات المصرية المملوكة للقطاع العام، كان تأسيسها لإنتاج حديد التسليح من “خردة” مخلفات الحرب العالمية الثانية الموجودة بآلاف الأطنان في الصحراء الغربية.
– الشركة مصنعها موجود في منطقة مسطرد بمحافظة القليوبية، على مساحة 80 فدان، والمصنع فيه أفران صهر كهربائي ووحدات صب، وكان إنتاجيته بتتركز في حديد التسليح اللي قايمة عليه المباني، و”المسبوكات” اللي هي الصلب والزهر اللي بتدخل في كتير من الصناعات.
– إنتاجية المصنع كانت وصلت لأقل من ألف طن سنوياً من المسبوكات “الصلب” و”الزهر”، ووصلت ل 40 ألف طن سنوياً من حديد التسليح، ودي أرقام هزيلة جداً كانت بتسبب خسائر للشركة لحد ما توقف الإنتاج في 2017.
– الخسائر في السنين الأخيرة كانت بتتراوح من 70 ل 80 مليون جنيه سنوياً.
– خرج عمال الشركة والمصنع بمظاهرات في سبتمبر 2014 على أمل الاستجابة من أي مسؤول لإنقاذ الشركة والمصنع وتحسين أوضاعهم المعيشية.
– مطالب العمال وقتها كانت بتنصب على “تثبيت” العمالة المؤقتة، اللي كانت بتشتغل بيومية 20 جنيه بدون تأمين صحي، ده غير تدني الأجور نفسها وأوضاع العمال المعيشية، إلى جانب مطالبة للجهات الرقابية بالتدقيق في عمليات السرقة وإهدار المال العام والتلاعب بالأرقام من الإدارة بما إن الشركة كده كده بتخسر ومحدش بيتابعها.
– المصنع نفسه متعرضش للتطوير عبر تاريخ الشركة، الماكينات كانت قديمة جداً، والبنية التحتية للمصنع كمان كانت متهالكة، لدرجة إنه كان سقوط المطر بيهدم جزء من سقف المصنع، ودي كلها أسباب للخسائر، خصوصاً مع المنافسة الشديدة مع القطاع الخاص اللي بيدار بكفاءة أكبر وبتكنولوجيا أحدث.
– أول شيء إنه كان في إرادة فعلية لإنقاذ الشركة بدل من استسهال التصفية، واللي فعلياً كان اختيار هيجيب فلوس كويسة جداً نظراً لأن المصنع في منطقة سكنية وعلى مساحة 80 فدان، وده دايماً كان الاختيار الأسهل لكل الحكومات من عهد مبارك لحد دلوقتي.
– الأمر التاني إن في دراسة علمية جيدة اتعملت للسوق، والدراسة قالت انه مش منطقي التمسح بانتاج حديد التسليح لأن الشركة معندهاش “ميزة تنافسية” فيه بينما أسعاره بدأت تنخفض في السوق نتيجة قلة التصدير وزيادة المنافسين، لكن دراسة الجدوى قالت إن المرحلة اللي قبل حديد التسليح وهي الوصول لخام “البيليت” كانت هي النقطة الأهم لأن مصر بتستورد سنوياً 3 مليون طن من خام “البيليت” بما يعادل 3 مليار جنيه، عشان يدخل في مرحلة تصنيعية إسمها “الدرفلة” ويبقى حديد تسليح.
– بالدراسة تبين إنه الحل النموذجي هو تعديل إنتاج الشركة إلى “البيليت”، وفي الإطار ده تم التعاقد مع شركة “شينجلي” الصينية لتطوير الماكينات والتكنولوجيا بالمصنع عشان يتم رفع الطاقة الإنتاجية من 40 ألف طن من خام البيليت، إلى 250 ألف طن سنوياً في المرحلة الحالية، وبعد اكتمال التطوير في أكتوبر الجاي هتبقى الطاقة الإنتاجية 500 ألف طن خام بيليت، يعني 10 أضعاف الطاقة الإنتاجية السابقة.
– الخطة الاستثمارية للتطوير كانت تكلفتها 700 مليون جنيه وتم تنفيذها في 10 شهور فقط.
– خطوة مهمة تانية لدعم المصنع حصلت بقرار وزارة الصناعة والتجارة فرض اجراءات حمائية “جمارك” على استيراد البيليت من الخارج طالما بيتم إنتاجه بكفاءة هنا في مصر، وممكن المصانع تعتمد على الخام المصري، رغم ان بعض أصحاب الشركات المستوردة مكانوش داعمين للقرار ده.
– خطوة رئيسية تانية هيا انه تم التعاقد مع شركة “جيمكو” الهولندية، عشان تطور “المسابك” بتكنولوجيا ومعدات ألمانية، فتوصل الطاقة الإنتاجية في أكتوبر الجاي ل 10 آلاف طن من الصلب والزهر بدل 1000 طن فقط قبل التطوير، يعني برضه 10 أضعاف الوضع السابق. الصلب والزهر دول بيتم استخدامهم في كتير من الصناعات ومنها قطع غيار السيارات واللي هي برضه بنستوردها بفلوس كتيرة.
– نموذج الشراكة مع القطاع الخاص تم تطبيقه هنا بشكل إيجابي جدا، بحيث يتم الاستفادة من مزاياه في التطور الإداري وفي الحرص على تحقيق الشركة أرباح ونجاح، وبنفس الوقت مزايا القطاع الحكومي في الحفاظ على سعر السلع الاستراتيجية، ووضعها في إطار سياسات اقتصادية عامة.
– الأمر التالت، هو الارتقاء بمستوى العمال والاهتمام بتأهيلهم وتدريبهم وتطوير قدراتهم في العمل، وده بيخالف تماماً وجهة النظر الدونية عن إن العامل والموظف المصري كسول ومهمل وفاسد، لكن في الحقيقة إنه العامل المصري زي أي عامل بالعالم لو اتوفرت ليه ظروف آدمية ومقابل مادي جيد، واتحط في منظومة تدريب وتطوير، ورقابة جيدة على أداؤه تحت إدارة جيدة هنلاقي إن إنتاجيته بقت أفضل بكتير، ولولا العمال دول مش هتحقق المصانع والشركات أي أرباح.
– مهم هنا نعرف أكتر عن تغير الإدارة اللي كان سبب رئيسي في التطوير، ونوجه هنا الشكر للدكتور مدحت نافع رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية اللي اتعين في مارس ٢٠١٨.
– الدكتور مدحت نموذج لخبرة تجمع الناحية العلمية النظرية والناحية الإدارية العلمية، هو في الأساس خبير اقتصادي وأستاذ تمويل ومحاضر في الإدارة المالية، وكان مدير إدارة المخاطر في البورصة المصرية من 2004 ل 2017، ونائب رئيس لجنة الاستدامة في “الاتحاد الدولي للبورصات” من سنة 2016، وبيكتب مقالات من فترة طويلة بشكل منتظم في جريدة الشروق، ومن وقت ما مسك المنصب وهو بيأدي أداء جيد جداً يستحق الإشادة بيه خصوصاً في ملف تسوية الديون والخسائر في كيان عملاق يملك ١٥ شركة.
– من أفضل الخطط الطموحة اللي طرحها الدكتور مدحت مؤخرا وبدعم من الوزير هشام توفيق هوا احياء شركة النصر للسيارات. تم تعيين ادارة جديدة عندها خبرات من القطاع الخاص، والاعلان عن توفير دعم حكومي مباشر لصناعة اول سيارة كهربائية مصرية. ونتمنى ده يتحول واقع ونحتفل بيه.
إيه نتائج خطة تطوير الدلتا للصلب؟
– المصنع حالياً بدأ يحقق أرباح، والأهم انه تم بالفعل التعاقد على إنتاجه لمدة سنتين قدام، وبالتالي “الأرباح المحققة” حسب رئيس الشركة محمود الفقي هتكون ٢٠٠ مليون جنيه سنويا بعد الإنتهاء من المرحلة التانية في أكتوبر بوصول الطاقة الإنتاجية لأعلى معدل (500 ألف طن بيليت و 10 آلاف طن زهر وصلب).
– كمان عندنا مكاسب أكبر غير مباشرة، زي ان انتاج ٥٠٠ ألف طن بيليت بيقلل فجوة الاستيراد (٢-٣ مليون طن)، ومعناه توفير ٢٥٠ مليون دولار، ده غير ان الشركة هتضخ 700 مليون جنيه للموازنة العامة من قيمة مبيعاتها (حوالي ٥ مليار جنيه)، ودي أرقام ممتازة من من شركة واحدة كانت بتخسر لغاية سنتين فاتو.
– ده غير مكسب إنقاذ آلاف العمال وأسرهم من التشريد بقفل المصنع.
– كمان نتيجة لعملية التطوير التكنولوجي تم تقليل الانبعاثات الملوثة من المصنع واللي محيط بيه منطقة سكنية، لنسب أفضل من اللي حددتها وزارة البيئة، وده خلى في تفكير بإضافة شق آخر لعملية التطوير، وهي استخدام 32 فدان من أملاك المصنع في عملية التطوير العقاري وطرح وحدات سكنية العائد بتاعها هيسدد تكلفة التطوير ويزود ربحية المصنع، وبيتم التعاقد دلوقتي مع مكاتب هندسية مميزة عشان الملف ده.
– اللي حصل مع شركة الدلتا للصلب بيأكد الكلام اللي قلناه في بوستات كتير قبل كده عن إن في إمكانية غالبا لإنقاذ شركات القطاع العام الخاسرة لو توافرت كفاءات حقيقية لادارتها، وقرار سياسي حقيقي بوضع ملفات التنمية الاقتصادية الصناعية والزراعية كأولوية.
– الإطار العام المطلوب يشمل كمان تجنب تكرار أسباب الانهيار السابقة من سوء الإدارة والفساد، وده مهم فيه تغيير السياسات مش الأشخاص. لما تغيب الرقابة الشعبية بالديمقراطية ويغيب دور البرلمان في المحاسبة ومراقبة الأداء لازم الفشل والفساد يظهر بقوة، ولو عندنا شفافية وقانون حرية تداول المعلومات كان هيتم نشر ميزانيات الشركات المملوكة للقطاع العام كلها بما فيها غير المدرجة بالبورصة ونعرف خسايرها وأرباحها لأنها أموال مملوكة للشعب، ولو عندنا إعلام حقيقي كان هيتابع ويغطي وينشر آلاف القصص والشهادات من العاملين والإداريين، ويستطلع آراء الخبراء. دي العوامل اللي بيها ممكن يتحول النموذج الناجح الايجابي ده لنمط عام في الادارة في مصر كلها لصالح كل المصريين.