– امبارح وزير الري الأثيوبي قال إن “التعبئة الأولية للسد لا تتطلب موافقة من أحد وليست جزءاً من المفاوضات”.
– الكلام ده يبدو إنه محاولة لعودة الخطاب التصعيدي، بعد ما الخارجية السودانية قالت إن الخارجية الأثيوبيا أبلغتها رسميا “بعدم صحة تصريح نُسب لوزير الري الأثيوبي” عن بدء ملء السد.
– النفي التام ده حصل بعد يوم مليان تناقض وتخبط في التصريحات الإثيوبية، وردود أفعال مصرية وسودانية.
– النهاردة هنناقش ايه التفسير المحتمل للي حصل؟ وليه مصر والسودان مصممين يرفضوا الخطة الإثيوبية “للتعبئة الأولية”؟ وايه اللي ممكن يحصل لو فعلا إثيوبيا اتصرفت بشكل منفرد؟
*****
إيه اللي حصل؟
– يوم الثلاثاء وكالة أسوشيتد برس كشفت عن صور بالأقمار الصناعية لوكالة الفضاء الأوروبية توضح زيادة منسوب المياة داخل بحيرة السد.
– وزير الري الإثيوبي يوم الأربعاء قال في تصريحات نقلها التلفزيون الحكومي الإثيوبي إنه الصور سليمة، والملء بدأ بالفعل، وانها اللحظة اللي ينتظرها الشعب الإثيوبي!
– السودان بدوره أصدر بيان رسمي قال فيه انه رصد انخفاض مياه النيل الأزرق الواردة ليه بشكل مفاجيء بمعدل ٩٠ مليون متر مكعب يوميا.
– مصادر مصرية قالت إن مصر هتتوجه لمجلس الأمن وتخاطب أمريكا وفرنسا لعقد جلسة عاجلة وستسعى لاستصدار قرار.
– وبالتالي لو مصر تأكدت من بدئ الملئ هتاخد إجراءات منها سحب السفير المصري للتشاور، والسعي لإصدار قرار إدانه من مجلس الأمن للخطوة الأحادية من جانب أثيوبيا .
– مصر والسودان وجهوا مخاطبة رسمية للخارجية الإثيوبية بيسألوها هل تؤكد رسمياً بدء ملء السد من جانب واحد؟
– بعد ساعات حصل تراجع إثيوبي كامل، والتلفزيون الرسمي الإثيوبي اعتذر انه “أساء فهم تصريحات الوزير” رغم ان الكلام كان واضح جدا، وعدلوا التصريحات لإنه بيقول ان الملء ده كان طبيعي بسبب الأمطار الغزيرة.
– كمان الخارجية الإثيوبية أكدت للسودان رسمياً إنها “لم تغلق بوابات سد النهضة ولم تحتجز المياة الداخلة”.
*****
ليه إثيوبيا عملت كده؟
– من الوارد إنها كانت محاولة لاختبار رد الفعل لو بدأ الملء من طرف واحد فعلا، خاصة إن مفروض الإعلان عن قرار بالحجم ده ييجي سياسيا من رئيس الوزراء مش من وزير الري، ويكون إعلان عالمي مش للإعلام المحلي.
عشان كده لما لقو رد الفعل عاجل وقوي تراجعوا.
– ومن الوارد انه فعلا تخبط غير متعمد، بعد محاولة لبيع خطاب زائف للاستخدام المحلي الداخلي، في ظل الضغوط الداخلية الكبيرة اللي بيواجهها أبي أحمد ومظاهرات وأحداث عنف، وبيتم تصدير الخطر الخارجي واستعراض القوة خارجيا كوسيلة سياسية داخلية.
*****
يعني إيه “التعبئة الأولية” أو “الملء الأول”؟
– الخلاف المرحلي حاليا هوا على بدء ملء الجزء اللي اكتمل من السد حاليا، وهوا لا يتعدى ٤.٩ مليار متر، يعني تأثيره محدود جدا على مصر والسودان، ولا يمثل أكتر من حوالي ٥٪ من سعة السد ٧٤ مليار متر.
وإثيوبيا بتقول نبدأ الملء الأول ده ونخلصه في موسم الأمطار، ومعانا سنة كاملة على الأقل لما يكتمل البناء نواصل فيها المفاوضات.
– مصر والسودان رفضوا طبعا بشكل قاطع الكلام ده، وتمسكوا باتفاق كامل مش جزئي أو مرحلي، لأنه بالفعل حصل تنازل كبير سابقا لما اتعمل اتفاق المباديء وسمح باستكمال البناء أثناء تواصل المفاوضات، واللي حصل هوا استغلال إثيوبيا لذلك لتضييع الوقت وفرض “الأمر الواقع”، فالنهاردة مصر والسودان مش هكرروا ذلك.
– ولنفس السبب هيحصل رد فعل حاد مصري وسوداني لو تم إعلان بدء الملء من جانب واحد، مش عشان هيحصل أي ضرر جسيم فوري، ولكن عشان لو تم إقرار سابقة إنه ينفع إثيوبيا تاخد قرار شبيه من طرف واحد ويعدي، ونرجع نتفاوض عادي، يبقى هتعملها كمان سنة من موضع قوة أكبر!
*****
طيب ايه وضع التفاوض دلوقتي؟
– الجولة الأخيرة من المفاوضات في اطار الاتحاد الافريقي انتهت بإعلان عدم التوصل لاتفاق، وتم اعلان أنه اللجان الفنية للدول الثلاث حترفع التقارير بتاعتها لجنوب افريقيا اللي هي رئيس الاتحاد الافريقي، وهيتم عقد قمة إفريقية مصغرة.
– مش من المتوقع في المسار ده نوصل لشيء جديد، لإن زي ما شرحنا سابقا جوهر الخلاف حاليا مش على أي تفاصيل فنية زي سنوات ملء الخزان، لكن على نقطتين أساسيتين هما رفض إثيوبيا الالتزام بحصة مصر والسودان التاريخية من النيل في المستقبل، وكمان رفض إثيوبيا أصلا توقيع أي اتفاق ملزم.
وامبارح وزير الري الإثيوبي كرر “لا نقبل أن تتقيد المفاوضات بنصوص قانونية مُلزمة، لأنها تمنع إثيوبيا من الاستخدام العادل والمنصف لنهر النيل” وقال إن ده لصالح الأجيال الإثيوبية القادمة .. طبعا الكلام ده مخالف تماما لمنطق مصر والسودان اللي عايزين أي اتفاق يكون ملزم!
*****
إيه الخيارات اللي مازالت متاحة؟
١- المفترض أنه مصر تواصل التحرك بأكبر قدر ممكن من التركيز في مسار مجلس الأمن، والمحافظة على التوافق الحالي مع السودان لإنه فعلا خلا موقف الدولتين أقوى بكتير في الدفاع عن حقوقهما دوليا.
– لو وصلت مصر لاستصدار قرار بفرض عقوبات على إثيوبيا أو على الشركات العاملة في السد في حال اتخاذ اجراء أحادي دي ممكن تكون ورقة رئيسية بالتفاوض، لإن إثيوبيا في النهاية تهدف من كل ده لجذب الاستثمار الأجنبي.
٢- حالياً بعض المقترحات الأوروبية بتتكلم أيضاً عن أهمية تقديم مكاسب وحوافز كبيرة لأثيوبيا، زي تأسيس صندوق تنمية ممكن يتم تمويله أوروبيا وبالنسبالنا نتمنى يكون فيه مساهمة مصرية وعربية كبيرة.
بشكل محدد كامل إنتاجية سد النهضة من الكهرباء هتكون ٦٠٠٠ ميجا وات، طيب دي قدرة ممكن توفير بديل ليها، اذا عرفنا ان طاقة محطات سيمنز الألمانية البخارية التلاتة اللي اتعملت في مصر تبلغ ١٤٠٠٠ ميجاوات يعني أكتر من ضعف إنتاجية السد.
وده مش معناه الغاء السد طبعا، لكن معناه حافز منطقي لاثيوبيا انها توافق على عقد اتفاق ملزم وعادل.
٣- اللجوء لمحكمة العدل الدولية هوا خيار آخر ممكن إن مصر تطلبه من مجلس الأمن، واستعرضنا سابقا أحكام أصدرتها المحكمة في قضايا شبيهة.
٤- وبالطبع مهم مصر تواصل استعداداتها العسكرية لأسوأ وآخر الخيارات، اللي نتمنى ميبقاش أبدا في أي لحظة هوا الخيار الوحيد، بسبب المخاطر الكبيرة اللي هتترتب عليه على المدى القصير والطويل، وأكيد الأفضل حلول سياسية والتعاون مع إثيوبيا والدول الافريقية بروح الاحترام الحقيقي والود بين الشعوب مش تعزيز الشحن السلبي المتبادل، وأيضا حلول فنية كتير لتوفير استهلاك المياة في مصر طرحناها سابقا.
– بنكرر كلامنا إن مسألة مياه النيل أكبر حتى من كونها أمن قومي لكل مصري، دي حياة أو موت لمصر حرفيا، مفيهاش مؤيدين ومعارضين، ونتمنى نشوف تعامل على قدر التهديد الكبير ده لأمننا المائي والغذائي، من كل الأطراف الرسمية والشعبية في مصر، وبالتأكيد إحنا مع كل الاختيارات اللي تضمن حقنا كمواطنين مصريين في مياه النيل.
*****