الموقف المصري | Egyptian Situation

“إحنا لازم نوفر سبل معيشة لـ 100 مليون نسمة، كل مواطن عايز يحط بنزين في عربيته ويمشي، واحتياجات طعام وشراب .. منين وبكام؟”
“هل كان الممكن أقول انتظروا 15 سنة لغاية ما أصلح التعليم وأضع فيه موارد الدولة، وحتى لو اتحشدت للتعليم فهى قليلة .. طب بكام ومنين؟”

دي نماذج لكلام كرره الرئيس السيسي ان كل مواطن يحسب الدخل والإنفاق لحياته الشخصية، أو فيما يخص الدولة.

– لكن الكلام ده كله اختفى مع افتتاح الرئيس نفسه مسجد وكاتدرائية العاصمة الإدارية الجديدة .. مفيش أي مصدر رسمي قال كلفة المشروع بكام؟ ومصدر تمويله منين؟
ده اللي هنحاول نفهمه سوا، وكمان نناقش فكرة هل صحيح انه الصحراء دي كمان كام سنة هتبقى عمران بفضل وجود الجامع والكاتدرائية فكده ده اقتصاديا قرار سليم؟
*****

الفكرة جت منين؟

– أول مرة اتكلم الرئيس عن المسجد والكنيسة كان في يناير 2017 قبل سنتين من النهاردة وبعد تفجيرات الكنيسة البطرسية مباشرة في ديسمبر 2016 أثناء الاحتفال بعيد الميلاد، وقال انه هيفتتح المشروع بعد سنة واحدة، لكن واقعيا البناء أخد سنتين.

بكام؟

– الرقم الوحيد اللي شفناه في الصحافة هوا مصدر مجهول قال لجريدة البورصة ان كلفة إضاءة المسجد فقط هي 20 مليون جنيه!

– معلومات تانية غير موثقة نشرها شاب اسمه حسن بدر على الفيس بوك في سبتمبر اللي فات قالت انها نقلا عن مهندسين بالموقع كان ضمنها:

* المأذنه لوحدها تكلفها وصلت ل ٢٨ مليون عشان GRC وًرخام وهلال بماء الدهب.
* الساحة الرخام بتكلفة ٢٤ مليون جنية مساحة ٧٨٠٠ متر مسطح.
* تشطيب داخلي للقبة GRC وزنه ١٢٠ طن بتكلفة ٣٢ مليون جنية.
*****

هل ممكن نعمل تقدير؟

– ممكن نقيسها على مسجد الشيخ زايد في أبوظبي، مساحته الاجمالية هي 412 ألف متر مربع، يعني اقل بنسبة صغيرة من المساحة الإجمالية لمسجد الفتاح العليم.

– مساحة الفتاح العليم الإجمالية هي 104 فدان يعني 445 ألف متر مربع، وفيه 21 قبة، 4 مآذن، و95 نجفة يصل وزن الرئيسية منها إلى 9 طن. مجمع المسجد يشمل كمان قاعة لكبار الزوار، ومهبط للطائرات، ومستوصف، و”متحف رسالات سماوية”.

– الكلفة الإجمالية لمسجد الشيخ زايد حوالي 2.1 مليار درهم يعني حوالي نص مليار دولار.

– وبالمناسبة مادام ناس كتير عمالة تقارن بالإمارات يبقى اتعلموا من الإمارات نفسها اللي أعلنت حكومتها الكلفة متعاملتش معاها كسر حربي!

– منطقي طبعا انه يتقال ان المفروشات والتشطيبات عندنا أرخص من اللي اتعمل بمسجد الشيخ زايد، وكلفة البناء والعمالة أرخص، لكن في المقابل ممكن نشوف برضه ان كلفة مسجد الشيخ زايد دي من 10 سنين فمابالنا بالنهاردة؟

وكمان مسجد الشيخ زايد اتبنى بين 1996 إلى 2007، وده بعد إعداد طويل لدرجة التصميم كان فاز أصلا في 1987، بينما احنا عندنا اتضغطت المدة إلى سنتين فقط وده له كلفة إضافية برضه.

عشان كده بنقول انه منطقي نطرح الرقم التقريبي ده، نصف مليار دولار، يعني حوالي 9 مليار جنيه.

– كنيسة ميلاد المسيح مساحتها أقل من ربع المسجد، حوالي 63 ألف متر، فممكن نخمن ان كلفتها بنفس النسبة تقريبا، بالتالي بنتكلم اجمالي عن حوالي 11 مليار جنيه.

– امبارح رئيس الوزراء افتتح رسميا بداية مشروع “النهر الأخضر” في العاصمة الإدارية، وقالوا ان اول مرحلة بطول 10 كيلومتر من الحدائق كلفتها نصف مليار دولار أي 9 مليار جنيه. بالتالي واضح ان النوع ده من الأرقام في مشاريع العاصمة بقى معتاد فعلا!

– سواء كانت كلفة المسجد والكاتدرائية فعلا 10 مليار أو أقل أو أعلى، فالمؤكد اننا بنتكلم عن (مليارات) الجنيهات مش مئات ملايين، وبالتالي منطقي نسأل عن مصدر ده وعن جدواه.
*****

المليارات دي جت منين؟

– الرئيس السيسي أعلن من سنتين فتح حساب التبرع قال انه بدأ بنفسه وتبرع ب 100 ألف جنيه.

– الغريب انه بعدها لحد النهاردة مفيش أي أخبار اطلاقا عن الصندوق ده، بعكس صندوق تحيا مصر اللي – رغم انه خارج الرقابة برضه – على الأقل معروف لجنة إدارته وبيتقال جمع كام.

– اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية قال في حفل الافتتاح أنه الشركات حصلت علي 25 % بس من مستحقاتهم، وقال هنجمع تبرعات عشان نكمل دفع باقي المستحقات.

– الشركتين الرئيستين في المشروع وهما المقاولين العرب، وحسن علام للمقاولات، بالإضافة ل 30 شركة أخرى.

– طبعا ال25 % اللي خدتهم الشركات اللي هما حوالي 3 مليار جنية مش عارفين مين دفعهم هل الموازنة العامة للدولة ولا من تبرعات صندوق تحيا مصر ولا منين بالضبط؟

– حسب التقدير العام هو يستهدف 7 – 8 مليار جنيه تبرعات، المستهدف ده مستحيل، لأنه عندنا تجربة صندوق تحيا مصر اللي الرئيس اشتكى السنة الي فاتت انه جمع فقط 7 مليار جنيه بينما هوا كان بيستهدف 200 مليار جنيه.

– وبرضه مش عارفين هل لو التبرعات متجمعتش المستحقات دي هتيجي منين؟ من الموازنة؟ ولا الشركات هتتنازل عن مستحقاتها بالإجبار أو بتعويض ضمني بإسناد مشاريع حكومية تانية ليها تتمول من الموازنة؟
*****

هل بلاد تانية عملت مشاريع زي دي؟

أيوة حصل، لكن القائمة تشمل إما بلاد عندها فائض مالي كبير زي مسجد الشيخ زايد اللي اتكلمنا عنه، أو بلاد عندها حكام محدش بيحاسبهم على الإهدار ده!

– مثلاً صدام حسين بنى مسجد أم المعارك، وده الاسم اللي كان بيطلقه على حرب الخليج اللي هوا تعامل انه انتصر فيها! . المسجد تكلف 7.5 مليون دولار بأسعار 2001 في عز الحصار اللي كان بيموت فيه أطفال العراق من نقص الغذاء والدواء.

– القذافي كمان بنى أكبر مسجد في أوغندا سنة 2008 وسماه باسمه وصرف عليه ملايين.

– المباني الضخمة لتخليد النوع ده من الحكام سلوك عالمي، من أشهرها قصة تشاوشيسكو دكتاتور رومانيا السابق اللي بنى “قصر الشعب” كمقر للبرلمان والرئاسة أصبح أكبر مبنى إداري في العالم بمساحة أكتر من 400 ألف متر، وكلف رومانيا تقريبا قيمة الإنتاج الصناعي ليها بالكامل.
*****

إيه الجدوى؟

– بقى بيتقال ان المسجد والكنيسة دول هيتحولو لمركز جذب، والشركات هتشتري الأرض قربهم بفلوس أغلى، وتتبني أبراج وشركات، والصحرا دي هتتحول بعد كام سنة عمار.

– ممكن هنا نطرح سؤال بسيط: وليه مسجد وكنيسة؟ ليه مكانتش أكبر جامعة؟ أو أكبر مستشفى؟ أو أكبر مصنع؟ أي مبنى مفيد فعلا للناس وينفع مركز تجمع طبيعي.

– مين قال أصلاً ان نظرية البنا الفخم هيا مفتاح التنمية الاقتصادية؟ احنا عرضنا سابقا قصص نجاح اقتصادي مختلفة، مثلا سنغافورة صحيح بقى فيها أبراج وناطحات سحاب، لكن ده حصل بعد جذب الشركات العالمية والمستثمرين بسبب اجراءات كتير شملت تحديث الموانيء ومكافحة الفساد وغيرها .. يعني النجاح بيتحقق فيبقى المباني نتيجة ليه، مش العكس!

– من الوارد فعلا نشوف الصور دي بعد كام سنة وكلها مباني كبيرة وشكلها حلو .. لكن ايه علاقة ده بنجاح هدف المشروع؟؟

مفروض ان الهدف هوا جذب “الكتلة السكانية” من ملايين المصريين اللي أغلبهم طبقات وسطى وفقيرة، لكن لما يكون:

– أقل سعر المتر في الشقق اللي بتنفذها الحكومة نفسها عبر هيئة المجتمعات العمرانية كان 11 ألف جنيه، بعض الشركات الخاصة طرحت أسعار أقل لكنها محدودة، بينما السعر يوصل إلى 22 ألف جنيه في مشروع طلعت مصطفى مثلا .. الواقع كده ان اللي بيشتري مصريين بالخارج أو مستثمرين أجانب أو غيرهم من الفئات اللي مش بالضرورة هيروحو يسكنو اصلا، أو أعدادهم هتكون محدودة.

– العاصمة الإدارية الجديدة الجديدة بشكل عام تخطت تكلفة إنشاء المرحلة الأولى حوالي 300 مليار جنية منهم 140 مليار جنيه مرافق فقط، لكن طبعا بيتقال ان ده من خارج الموازنة العامة، وهيجيب.

– موضوع ان الفلوس دي برة الموازنة فملكوش دعوة بيها هو كلام خادع، لأن شركة العاصمة الإدارية هي مملوكة 51 % للقوات المسلحة و49 % لهيئة المجتمعات العمرانية، أكيد ده مش مال خاص بل عام، وبيديره موظفين حكوميين، ومفروض بيخضعوا لرقابة من البرلمان وغيره.. المفروض يعني.

– موضوع ان دي رسالة للعالم عن التعايش بين في مصر، لأنه في النهاية مجرد ما تحصل حادثة طائفية جديدة، والأهم اننا مش مستنيين رأي الخارج بل يهمنا حق المواطنين المصريين الأقباط اللي وضعهم متغيرش في أحداث قرى المنيا مثلا بعد ما اتبنت أكبر كنيسة.
*****

– احنا كمواطنين من حقنا نسأل ونحاسب على الطريقة اللي “فلوسنا” بتدار بيها، وبالتأكيد أولوياتنا مش هتبقى للزخارف وبناء التحف المعمارية إنما هتبقى لأشياء تحسن حياتنا ومعيشتنا وده المطلوب من أي حكومة وسلطة.
*****