– على مدار الأيام اللي فاتت في واشنطن كان في جولة جديدة من المفاوضات حوالين سد النهضة، الاجتماع تم بين ممثلين مصر وأثيوبيا والسودان بوساطة الولايات المتحدة والبنك الدولي.
– أخر مرة كتبنا عن سد النهضة كان في أكتوبر 2019 بعد إعلان وزارة الري فشل المفاوضات، بعدها كان في دعوة من واشنطن للعودة للتفاوض مرة تانية، بعد التصريحات المتبادلة بين الدولتين بإحتمالية التدخل العسكري.
– ممكن تشوفوا البوست اللي كتبناه قبل كدة من
هنا :
– النهاردة هنشوف ايه أهم التطورات الجديدة في المفاوضات؟ ايه مستقبل المفاوضات؟ وايه اللي ممكن نعمله في الفترة القادمة؟
*****
ايه اخر التطورات؟
– آخر حاجة حصلت هيا انه بعد ما فشلت جولات التفاوض الفنية الأربعة، وشفنا تصعيد بين مصر وأثيوبيا، حصلت اجتماعات واشنطن اللي رجعت الطرفين للتهدئة، وانتهت بإعلان بيان مشترك على بنود مبدئية، وتم الاتفاق على العودة لواشنطن لعقد اجتماعات قادمة في 28 و 29 يناير للوصول للاتفاق النهائي.
بنود الاتفاق المبدئي اللي اتنشرت ببيان وزارة الخزانة الامريكية بينص على التالي:
1- سيتم ملء سد النهضة على مراحل، وبطريقة “تكيفية وتعاونية” تأخذ في الاعتبار “الظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق والتأثير المُحتمل للتعبئة على الخزانات الموجودة في اتجاه مجرى النهر”.
2- ملء السد سيتم خلال موسم الأمطار، من يوليو إلى أغسطس، وقد يستمر ذلك إلى سبتمبر وفقا لشروط معينة.
3- مرحلة الملء الأولي تضمن الوصول السريع لمستوى 595 متر، ما يسمح بالتوليد المبكر للكهرباء، مع توفير “تدابير تخفيف مناسبة” لمصر والسودان في حال حدوث جفاف شديد خلال هذه المرحلة.
4- المراحل اللاحقة من ملء الخزان ستتم وفقا لآلية يتم الاتفاق عليها، “تحدد الإطلاقات بناءً على الظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق وحالة السد” بما يراعي أهداف الملء وتوليد الكهرباء في أثيوبيا وتدابير التخفيف المناسبة لمصر والسودان في حال سنوات الجفاف الطويلة، وهو ما ما ينطبق أيضا على التشغيل على المدى الطويل بعد ملء الخزان.
5- سيتم إنشاء “آلية تنسيق فعالة وأحكام لتسوية النزاعات”.
هل ده إيجابي ولا سلبي؟
– الإطار العام هوا خطوة إيجابية، إن أثيوبيا وافقت على مبدأ وضع قواعد ثابتة ومحددة للتشغيل، واستمرار آلية دائمة لذلك، وده بيتغير حسب قواعد لكميات المياة اللي بتعدي وكميات المياة الواردة بمواسم الجفاف، وكمان وضع آلية ثابتة للتحكيم في حال الخلاف بالمستقبل، ودي كلها كانت مطالب مصرية أثيوبيا كانت بتتعنت فيها وبتتهرب من أي التزام برقم معين أو أي التزام يخص التشغيل بالمستقبل تحت دعوى ان ده شأن سيادي يخصهم فقط.
– لكن في المقابل لسه متمش الاتفاق الواضح سواء على قواعد فنية مازالت اثيوبيا بترفضها، أو على الالتزام بحد ادنى لكمية المياة كانت مصر بتتمسك انها 40 مليار متر مكعب، أو على آليات واضحة لضمان تنفيذ الاتفاق.
– ده غير مطالب مصر الخاصة باخطارها قبل خفض الكميات بفترة مناسبة محددة، وبتنسيق عمل سد النهضة مع السد العالي لضمان استمراره بتوليد الكهرباء ودي أمور مجاتش سيرتها في البيان.
– بحسب مصادر رسمية صرحت لموقع مدى مصر بإن الإدارة الأمريكية ضغطت لاستمرار المفاوضات الأخيرة يوم زيادة عشان تنتهي أعمال الاجتماع الحالي يوم الأربعاء بدل من التلات بحسب البرنامج المحدد، عشان ينتهي الاجتماع ببيان مشترك، وإن الإدارة الامريكية ضغطت على مصر لتخفيض مطالبها في المفاوضات، مقابل ان البنك الدولي هيقدم منح ومساعدات وتعويضات لمصر في حالة الضرر من نقص المياه، لكن بدون توضيح عن طبيعة التعويض.
– وبحسب مستشار وزير الري، فإن مصر بتواجه ضغوط أمريكية في تقديم بعض التنازلات، خاصة وإنه مفيش في إيد المفاوض المصري كروت ضغط قوية.
– وبشكل واضح الدول اللي يفترض انها صديقة للنظام المصري وليها علاقات واستثمارات قوية في أثيوبيا زي السعودية والإمارات وإسرائيل مدعموش مصر بشكل كافي في الملف ده.
*****
هل الحكومة المصرية دخلت مسار المفاوضات “بحسن نية”؟
– الحقيقة أنه من بداية أزمة سد النهضة لحد دلوقتي الدبلوماسية المصرية على أفضل الأوصاف نقول انها تعاملت بحسن نية مكانش مطلوب إطلاقا، وبأسلوب مستعجلعلى تحقيق انتصارات دعائية فردية حتى لو غير واقعية، بداية من توقيع اتفاق المباديء في 2015 والسماح باستمرار بناء السد قبل استكمال المفاوضات والاتفاق وبالتالي أثيوبيا كسبت وقت ومماطلة حوالي 5 سنين كاملة لدرجة تقريبا خلصوا السد! دلوقتي وزير الري الأثيوبي بيقول ان بدء الملء هيكون اول 2021 كإن ده امر محسوم سواء حصل اتفاق ولالا.
– أكتر من مرة يتم التوصل لباب مسدود في التفاوض وبعدها يحصل شوية تصعيد في التصريحات الرسمية وبعدها السلطات الرسمية في البلدين يعلنو استكمال المفاوضات، زي ما حصل في المرة الأخيرة مثلاً قبل اجتماع الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد في مجمع “سوشي” في روسيا.
– حتى في الاجتماعات الفنية الأخيرة بعد تدخل إدارة ترامب مصر عرضت حلول مرنة جدا، واجهها تعنت اثيوبي، زي اننا عرضنا تحميل تكلفة الجفاف علي الدول الثلاثة، وبما “يمكن سد النهضة من توليد 80 في المئة من قدرته الإنتاجية من الكهرباء، بما يعني تحمل الجانب الأثيوبي أعباء الجفاف بنسبة ضئيلة”. حسب بيان الخارجية المصرية.
– مصر اقترحت كمان وضع آليات وقواعد للتكيف مع التغيرات الهيدرولوجية (يعني التغيرات في حجم المياه) في النيل الأزرق، بما في ذلك الإبطاء من سرعة الملء وإخراج كميات من المياه المخزنة في سد النهضة في حال انخفاض المستوى عن حد معين.
– الجولة الرابعة للمفاوضات – قبل مفاوضات واشنطن – كانت يوم 8 و 9 يناير في أثيوبيا، بعدها وزارة الخارجية الأثيوبية طلعت بيان قالت فيه أنه مصر طلبت طلبت ملء سد النهضة في فترة تمتد من 12 إلى 21 سنة!
– ردت وزارة الخارجية المصرية في بيان حاد نفت فيه الكلام ده وقالت انه مغالطات، وان مصر لم تحدد أصلا رقم سنوات معين، لكن بتضع قواعد لكمية المياة، وان الطرح المصري هيوصل إلى “ملء سد النهضة في 6 أو 7 سنوات إذا كان إيراد النهر متوسط أو فوق المتوسط خلال فترة ملئ الخزان “.
– مغالطة البيان الأثيوبي بتوضح شيء مهم وهو أنه أثيوبيا مكانش عندها نية لانجاح المفاوضات الفنية، وانها من البداية لحد دلوقتي بتماطل لفرض الأمر الواقع.
– قبل الاجتماعات الأخيرة في واشنطن في الأيام اللي فاتت اقترح آبي أحمد وساطة جنوب أفريقيا في حال فشل الوساطة الأمريكية، كنوع من الضغط الدبلوماسي على مصر، بحيث إن مصر مينفعش ترفض وساطة دولة أفريقية، وفي نفس الوقت اختار دولة مصر مش على أفضل وفاق معاها، وكمان جنوب أفريقيا هيكون عليها الدور في السنة الحالية إنها تمسك رئاسة الاتحاد الأفريقي، وده بيساهم أكتر في الضغط على مصر للوصول لحل نهائي مع الوساطة الأمريكية.
– أثيوبيا في النهاية كده بتوصل لفكرة إنها تكمل مشروع السد بناء على قواعدها هيا لو مصر متفقتش مع الوساطة الأمريكية، واللي التسريبات من مصادر رسمية بتقول إنه في علامات استفهام وأمور غير واضحة وتخلي دول صديقة لمصر عن الضغط الكافي للصالح المفاوض المصري.
– بالتالي الواقع على الأرض دلوقتي بيقول أننا في مرحلة تقليل الخسائر، وأنه أي تعثر جديد للمفاوضات حيكون في صالح أثيوبيا مش في صالح مصر.
نعمل ايه؟
– اتكلمنا قبل كدة عن مقترحات حلول قصيرة وطويلة الأمد لأزمة سد النهضة، حلول سياسية ودبلوماسية، حلول اقتصادية، حلول حتى داخلية في إدارة ملف المياه في مصر لتوفير استهلاكنا، ممكن تشوفوا البوست من
هنا :
– اتفاقية المبادئ لم تعرض على البرلمان المصري لحد دلوقتي، رغم أنه عرضها على البرلمان ورفضها في الوقت الحالي ممكن يكون ضاغط على أثيوبيا لأنه بيفقدها المرجعية الأساسية للتفاوض وهو اتفاق المبادئ، لكن ربما تكون السلطة في مصر مأجلة الكارت ده لوقت لاحق لما نشوف آخر ما يمكن ان نصله في مفاوضات واشنطن لأنه فيخ مخاطرة برضه بانهيار مسار المفاوضات بالكامل دلوقتي بعد كل الفترة دي، لكن المشكلة ان التأجيل لآخر لحظة قد يفقد الكارت أهميته لو زاد الضغط الأمريكي أو لو بقينا في وضع أمر واقع.
– – من بداية أزمة سد النهضة والسلطة المصرية عندها أخطاء كتير، واللي حولتنا مع الوقت من طرف بيسعى للحفاظ على حقوق تاريخية في نهر النيل لطرف بيحاول يقلل الخسائر بقدر الإمكان، لكن للأسف مضطرين نفكر في الوضع الحالي، ونتمنى اجتماعات واشنطن بعد أيام تكون إيجابية ونحتفل بنهاية الكابوس ده ولو بأقل الاضرار.
– لكن لو ده محصلش قدامنا طريق اللجوء للتحكيم الدولي، الخطوة الأولى طلب التحكيم الدولي وده لازم بموافقة الدولتين الأطراف ولو أثيوبيا رفضت التحكيم الدولي يبقى مصر ممكن تتقدم بشكوى رسمية لمجلس الأمن ضد أثيوبيا، وتطلب من الأعضاء الدائمين عدم إستخدام حق الفيتو في هذا الملف المصيري، ومفروض ان مصر علاقتها بالدول دي كويسة وبينهم ملفات زي مكافحة الإرهاب واللاجئين واستثمارات كبيرة، ومنتدى غاز المتوسط اللي تم الإعلان عنه مؤخراً.
– في الحالة دي الأمر هيتم تعليق عمل السد بقرارات أممية ملزمة، وده محتاج مجهود دبلوماسي وسياسي وقانوني كبير جداً. بالمناسبة موقف مصر قوي قانونا بموجب إتفاقيات تاريخية أعوام 1929 و 1959، ده غير إتفاق الرئيس السابق مبارك مع رئيس الوزراء الأثيوبي “زيناوي” سنة 1993.
– ومازلنا نؤكد على استبعاد خيار الحسم العسكري بضرب السد اللي هو عملياً شيء شبه مستحيل بسبب كلفته السياسية والدبلوماسية والاقتصادية الضخمة جدا على المدى القصير والطويل لدرجة قد تتجاوز أضرار السد نفسه، ومفيش داعي للتسخين غير المنطقي في الجانب ده.
– لازم نبذل مزيد من الجهد في استغلال علاقتنا الجيدة بالاتحاد الأوربي والسعودية والإمارات والصين وغيرها من الدول اللي ليها استثمارات كبيرة في أثيوبيا للضغط عليها في الملف.
– لازم نفهم أنه في النهاية للأسف أثيوبيا بتحصد اللي زرعه رئيسها الحالي، اللي رسم صورته عالميا كرجل تحول ديمقراطي داخل بلده أفرج عن السياسيين والصحفيين، وأطلق إصلاحات حقيقية، وكرجل سلام إقليميا خارج بلده أنهى التوتر المزمن مع العدو التاريخي إريتريا، وحصل على جايزة نوبل .. طبعا ده مش مثالي وهوا عنده مشاكل داخلية وتوترات عرقية، غير دوره السلبي في مفاوضات السد، لكن دي الصورة اللي قدر يحافظ عليها عالميا.
– بينما احنا صورتنا في الصحافة الدولية والمجتمع الدولي عكس أثيوبيا، مصر مرتبطة بأخبار زي تعديلات الدستور لتمديد بقاء الرئيس في السلطة، واعتقالات صحفيين واكاديميين، وكفاية إنه دلوقتي واحنا في مسار تفاوض برعاية أمريكية اتوفى المعتقل قاسم مصطفى، وهوا مصري معاه جنسية أمريكية في السجن بسبب الإهمال الصحي، ومر بفترة اضراب عن الطعام، وعدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس طالبوا بفرض عقوبات على مصر والصحافة الأمريكية مقلوبة بسبب القصة، فوزير خارجية مصر سامح شكري بدل ما يروح واشنطن ويركز بس على قصة سد النهضة ويسعى لحشد كل دعم ممكن لملفنا، بقى مضطر يتكلم عن الموضوع ده ويحاول يخفف آثاره!
– مهم نقول كمان اننا بندفع تمن أخطاء تاريخية قديمة، عقود من اهمال علاقاتنا المهمة مع افريقيا ودول حوض النيل خاصة من أيام الرئيس مبارك، ودي أمور متتحلش بقرار سريع ولا عصاية سحرية، لكن استعادة الثقة وتراكم المصالح المشتركة هي استراتيجيات طويلة جدا.
– نتمنى أنه السلطات المصرية ومؤسسات الدولة تقدر تتخطى الأزمة بأقل قدر من الأضرار على الشعب المصري، ونتمنى إنه المسار الحالي ونتايجه يتم الاستفادة منه، لمراجعة استراتيجيتنا الخارجية ونكون عارفين كويس مين الدول اللي دعمتنا ومين اللي تخلي عننا، ونستفيد بيه داخليا في ضرورة وجود نظام ديمقراطي حقيقي، وإتاحة الرأي والمشاركة للمجتمع في مناقشة قضاياه وسياساته، لأن مصر مجتمع فيه أكاديميين وسياسيين ومثقفين وناس قادرة تدي مصر فعلاً في كل المجالات من خبراتها ومعرفتها.
******