– يوم الأحد أصدرت محكمة الجنايات أحكامها على 35 من أهالي الوراق في الأحداث اللي حصلت من 3 سنين .. الأحكام شملت السجن المؤبد لأحد المتهمين، والسجن المشدد غيابيا لـ 30 متهم آخرين، بالاضافة لمعاقبة 4 تانيين بالسجن المشدد 5 سنوات، بعد توجيه اتهامات ليهم بالتجمهر واستعمال القوة.
– ليه الأحكام العنيفة دي؟ وإيه نهاية قصة تهجير جزيرة الوراق؟ وإمتى الموضوع ده هيتحل؟ كل دي أسئلة هنحاول نناقشها في البوست ده.
*****
– امبارح محكمة الجنايات أصدرت أحكام مشددة على أبناء جزيرة الوراق اللي مقبوض عليهم وبيتعرضوا لمحاكمات من 3 سنين، عشان يضغطوا على أهالي الجزيرة ويقبلوا تسليم الجزيرة للمستثمرين ويخلوها.
– نشرنا التفاصيل دي قبل كده في بوستات سابقة، والموضوع كله مرتبط بالضغط على الأهالي بكل طرق التخويف الأمني والحبس عشان الناس ترضخ وتسيب أماكنها بدون تعويضات مناسبة، مفيش قانون ولا مفاوضات حقيقية، على الرغم من إن الأهالي أكتر من مرة أبدو حسن النية بالتفاوض مع “كامل الوزير” لما كان رئيس للهيئة الهندسية واللي أكدلهم إن الرئيس السيسي نفسه مهتم بإنه الأهالي مش هيتم الإضرار بيهم وإنه غرض الدولة هو مشروع للتطوير.
– الأهالي اللي اتقتل منهم شاب واتقبض على كتير من شبابهم واتعرضوا للحصار، شكلو مجلس منتخب من كل عائلات الوراق اسمه “مجلس عائلات الوراق” عشان يتفاوضوا مع الدولة بخصوص أضرار المشروع الاستثماري الجديد، لكن الدولة مكانتش بتهتم غير بممارسات التخويف والقبض وحصار الجزيرة وأهلها.
– الأحكام القاسية دي بالسجن على ناس كل جريمتها إنها بتدافع عن أرضها وبيوتها ومش عاوزة تتعرض للهدم والتهجير القسري، ده شيء المفروض الدولة دي تخجل منه، خصوصاً لما يكونو أهالي الجزيرة دي مات منهم شاب في اشتباكات مع الشرطة أثناء الاقتحام الأمني الأول للجزيرة في 2017 ومفيش ظابط أو مسؤول اتعاقب بالحبس ولو أسبوع على قتل الشاب ده ! وده يقولنا كتير عن مستوى العدالة اللي وصلناله.
*****
وليه الدولة عاوزة تهجر الناس دي من بيوتها وأراضيها؟
– الحكومة بتقول ان أراضي الجزيرة تابعة للدولة بدليل عدم وجود تراخيص لأي من المباني اللي فى الجزيرة، لكن وفي نفس الوقت أهالي الجزيرة عندهم عقود “خضرا” وده الاسم المتداول للعقود من ايام الملكية، بالاضافة لوجود الخدمات عندهم مياه، وكهرباء و 3 مدارس حكومية فى الجزيرة.
– حاولت الدولة قبل كده انتزاع الأرض من أهالي الوراق سنة 2000 لما أصدر رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد قرار باعتبار أرض الجزيرة للمنفعة العامة، لكن الأهالي قدموا طعن في محكمة القضاء الإداري سنة 2002 وقضت المحكمة بإلغاء القرار، والحكم ده شجع أهالي الجزيرة بالسعي لتوثيق ملكيتهم للعقارات فى الشهر العقاري لكن بتوجيه من الحكومة السابقة رفض الشهر العقاري توثيق الملكية ده.
– المحاولات دي استمرت مرة تانية في 2007 أعلن جمال مبارك أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني، عن مُخطَّط مصر 2050 اللي بيهدف لإزالة المواقع الفقيرة وتحويلها لمنشآت سياحية وترفيهية.
– وفي 2010 تعاقَدَت الهيئة العامة للتطوير العمراني التابعة لوزارة الإسكان مع شركة “كيوب” ضمن مُخطط 2050 لتطوير جزيرة الوراق، لكن المشاريع دي وقفت بشكل مؤقت بعد بداية الثورة.
– صدر قرار بنزع ملكية بعض الأراضي من الأهالي عام 2016 لإنشاء محور روض الفرج، ووقعت اشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن بعد هدم المنازل. زاد التصعيد مع حالة الحصار الأمني من الشرطة والأمن المركزي واللي قامو باقتحام الجزيرة في يوليو 2017 اللي راح نتيجته كتير من الشباب وأبناء الجزيرة اللي تم القبض عليهم. وبعد التاريخ ده حصل حصار متكرر لسنين على الجزيرة دي وأهاليها.
*****
وليه السلطة عاوزة تنزع ملكية الأراضي ده من أهلها وسكانها؟
– الرئيس السيسي في أحد خطاباته كمبرر لاخلاء الجزيرة قال انه البناء عليها مخالفة لقرار من سنة 1988 بينص على تجريم البناء على ضفاف النيل بمسافة أقل من 30 متر، وده على الرغم من أن الدولة نفسها بتخالف القانون وبتبني نوادي للقضاة وضباط الشرطة على ضفاف النيل، ومثلا كورنيش النيل فى الجيزة طوله 99 كيلو متر فى منها بس 27 كيلو متر غير مسدودة بمباني على ضفة النيل.
– الوراق بيسكنها من 60 – 90 ألف مواطن مصري، وبحسب شهادات الأهالي بقالهم سنين بيطالبوا بتطوير الخدمات في الجزيرة والحكومات كانت بتتجاهلهم وبترفض توثيق عقود ملكيتهم.
– رفض الدولة كان نابع من الموقع المهم للجزيرة وكونها فى وسط النيل فهي مكان ممتاز للاستثمار السياحي، ولما كان في مخطط من إعداد مجموعة جمال مبارك الوزارية لتطوير القاهرة المعروف باسم القاهرة 2050 – كان أحد الفاعلين في إعداد المشروع هو رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي – المشروع بينص على تحويل الجزر النيلية دي لأبراج استثمارية ومنشآت سياحية لكن متمش بسبب الثورة، وبعد تراجع الثورة رجع المخطط مرة ثانية للواجهة وظهرت تصميمات لشركة استشارات هندسية إماراتية عن جزيرة الوراق، ومعظم الكلام هو عن تخصيص أرض الجزيرة لمستثمرين إماراتيين رغم انه رسمياً مفيش إعلان واضح.
– وفي الوقت اللي الدولة فيه بتستخدم خطاب إنه الأهالي مستوليين على أراضي الدولة، لكن الحقيقة إنه 1810 فدان من مساحة الجزيرة هي ملكيات خاصة للمواطنين ومتسجلة في الشهر العقاري، و40 فدان بس اللي بتملكهم الدولة، متقسمين ما بين ملكيات لوزارة الأوقاف أو ملكيات للدولة الأهالي بيملكوها كحق انتفاع، وده السبب إنه في كل مرة القضاء كان بينصف الأهالي من إجراءات الحكومة.
– لكن ده كله اتغير مع قانون نزع الملكية اللي اتعمل في 2018، واللي بيمنع الطعن على قرارات نزع الملكية من الأفراد لصالح المصلحة العامة، ولا حتى بقى من حق الناس إنها تتظلم من قيمة التعويضات اللي بتقدمها الدولة للأفراد، واللي هو واحد من أهم القوانين السيئة اللي طلعت من البرلمان الحالي.
*****
– كل التصرفات اللي الدولة بتعملها في ملف جزيرة الوراق مش منطقية أبداً مع حكومة عاوزة تحرك النشاط الاقتصادي وتجيب استثمارات أجنبية.
– مش معقول أبداً إنه الطريقة الوحيدة اللي الدولة بتتعامل بيها مع المواطنين في كل حاجة هي الطريقة الأمنية، الاعتقال والحبس وأحكام بالسجن لسنوات ! سواء الناس دي كانت بتتكلم عن الحرية والديمقراطية، أو حتى بتتكلم عن حقها في بيوتها أو بتطالب بتحسين معيشتها ! مفيش دولة في العالم بتتعامل مع المواطنين بالطريقة دي، في تفاوض في حوار في نقاش في برلمان وأحزاب وإعلام ومجتمع مدني بيقوموا بدور التفاوض وإدارة النزاعات في أي بلد ديمقراطي.
– عندنا قبل كده تجربة مختلفة زي تجربة إخلاء مثلث ماسبيرو، واللي حصل فيها تفاوض من الحكومة مع “رابطة أهالي مثلث ماسبيرو” والحكومة عرضت في الملف ده تعويضات ونقل لأحياء سكنية جديدة، وتم إخلاء المنطقة بشكل سلمي، ويمكن كان الفرق إنه كان المكون المدني في الحكومة وقتها كان أكبر، واللي كانت بتدير الملف ده كانت الوزيرة السابقة للبيئة “ليلى إسكندر”.
– نتمنى إنه الدولة تراجع نفسها وتوقف الطريقة دي في التعامل مع المواطنين، وتستخدم أدوات الدولة الحديثة زي العالم كله، وتبطل طريقة العصور الوسطى بتاعت القبض والاعتقال والحبس، لأن حتى الطريقة دي لو فرضاً جابت استثمارات وحققت شوية أداء اقتصادي كويس، لكن هي نفس الطريقة دي اللي بتخلي الاقتصاد هش والمناخ غير جيد للاستثمار لأنه في النهاية مفيش منظومة عدالة حقيقية المستثمرين يعرفوا يتعاملوا معاها بدون خوف أو قلق.
– مش بنتكلم عالقانون والدستور وحقوق الإنسان، لأ بنتكلم بس على شوية عقل ومنطق في إدارة البلد والتعامل مع الناس.