– الصورة اللي قدامنا دي من لقطات أذاعها التلفزيون الرسمي الإثيوبي يوم الأربعاء مع تهنئة من آبي أحمد رئيس الوزراء بانتهاء المرحلة الأولى من ملء السد، رغم تأكيده ان ده حصل بواسطة الأمطار.
– التطور الأهم هوا إنه أول امبارح، الجمعة، دينا المفتي، المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، قال إن بلاده تسعى لعقد “اتفاق استرشادي فقط وليس اتفاقا ملزما”!
– التصعيد الإثيوبي ده كان مفاجيء بسبب نفي أثيوبيا قبلها بأيام فقط انها بتعمل أي خطوات لملء السد.
– لحد دلوقتي مفيش أي تعليق رسمي مباشر من مصر سواء على “الملء الأول” أو على تصريحات الخارجية، لكن حصلت تعليقات غير مباشرة.
– إيه الموقف الحالي وايه الخيارات اللي مازالت متاحة؟ ده اللي هنناقشه النهاردة.
*****
– بعد ما كل الجهات الرسمية الإثيوبية نفت تصريحات وزير الري وقالت محصلش أي ملء، واتفهم غلط، والتلفزيون الرسمي نزل اعتذار، يوم الأربعاء فجأة رئاسة الوزراء الأثيوبية أعلنت في بيان رسمي يوم الأربعاء أنه “بات من الواضح في الأسبوعين الماضيين خلال موسم الأمطار أنه تم تحقيق ملء سد النهضة في مرحلته الأولى”.
– زي ما شرحنا سابقا “الملء الأول” ده لكمية 4.9 مليار متر مكعب من المياه، وهي كمية تأثيرها محدود جدا على مصر والسودان، ونسبتها قليلة جدا من سعة السد اللي تصل ٧٤ مليار متر، لكن الدلالة السياسية مهمة جدا، وهي كسر رفض مصر والسودان ومجلس الأمن وكل الأطراف “للإجراءات الأحادية”.
– الأسوأ كانت تصريحات متحدث الخارجية الإثيوبية بعدها الجمعة، اللي رجع لنقطة الخلاف الأساسية، انهم مش عايزين “اتفاق ملزم” بحجة انه يقيد حق الأجيال القادمة، واللي هنتفق عليه “اتفاق استرشادي يمكن تغييره في أي وقت”، وده تحديدا زي ما شرحنا سابقا كان سبب انهيار جولة المفاوضات اللي تمت بدعوة الخرطوم قبل مجلس الأمن مباشرة.
– دا ممكن نشوفه في الفرق بين خطاب آبي أحمد وخطاب وزير خارجيته الاستفزازي اللي كتب باللغة الاثيوبية في تغريدة أنه “تهانينا، كان نهر النيل، وأصبح النهر بحيرة ستحصل منه إثيوبيا على التنمية التي تريدها، النيل لنا !”.
– لكن الخطاب الرسمي لأبي أحمد للعالم أشار لانه عملية الملئ تمت بسرعة بسبب مياه الأمطار وأنه في نية لاستكمال المفاوضات حول السد مع مصر والسودان، وزيه متحدث الخارجية قال في نفس المؤتمر الصحفي الي رفض فيه الاتفاق الملزم، إننا ممكن نملاً السد في ٣ سنوات لكن قررنا نملاً في ٧ سنوات عشان لا نضر دول المصب.
– أيضا في تصريح صحفي لأحد المسئولين في مشروع السد لفرانس برس أنه ” الخزان يمتلئ بشكل طبيعي وأن المياه لا تزال تتدفق في اتجاه المصب، مؤكدًا أن بوابات السد مفتوحة.”
– وفي نفس السياق رئيس الوزراء السوداني عبدالله الحمدوك كتب على تويتر عن الوصول لتفاهم حوالين اتفاق ملزم بشأن قواعد تشغيل وملئ السد، ورغم إن التصريحات الأثيوبية مبتقولش ده لكنه مؤشر محتمل للي بيتم الضغط لأجله في الغرف المغلقة.
– بينما آخر بيان رسمي مصري كان على لسان أحمد حافظ المتحدث باسم وزارة الخارجية اللي قالت فيه الخارجية، إن “القمة أكدت ة ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد، يتضمن آلية قانونية ملزمة لفض النزاعات، كما جرى التوافق في ختام القمة الإفريقية المصغرة على منح الأولوية لبلورة الاتفاق الملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة”، وده بدون التطرق للتصريحات الأثيوبية الأخيرة.
*****
طيب ايه الوضع دلوقتي؟
– احنا قدام احتمالين
1- أنه المفاوضات منهارة بحكم الامر الواقع، أثيوبيا بالفعل انتهت من ملئ المرحلة الأولى من السد، وسعيها لاستكمال المفاوضات هو محاولة مستمرة لكسب الوقت مش اكتر، ويعزز ده ان حاليا الكلام عن العودة للتفاوض في الاطار الافريقي بدون حسم للنقطتين الرئيسيتين: الاتفاق الملزم، وعودة الحصص المائية بعد ملء السد.
2- أنه الكلام اللي قالوها الاثيوبيين ده للاستهلاك المحلي لتهدئة الشارع المشحون عندهم، بينما بيتم بالفعل الاقتراب من اتفاق، وعشان كده مصر والسودان مخففين لهجتهم في اتفاق ضمني انهم يسمحو بده مقابل الوصول لاتفاق مناسب.
– لكن حتى الاحتمال التالي مفيش أي ضمانة واضحة لعدم تكرار التلاعب الأثيوبي، والموقف الضعيف من الاتحاد الافريقي، خاصة إنه لم يتم تحديد أي سقف زمني للمفاوضات.
– ويمكن للسبب ده قدم كل من النائبين أحمد الطنطاوي وهيثم الحريري طلبات لرئيس البرلمان بعمل جلسة سرية يوم الأحد 26 يوليو مع المسؤولين عن ملف سد النهضة عشان نعرف آخر التطورات اللي حصلت واستعدادات السلطة المصرية ورد فعلها بعد المرحلة الأولى من ملئ السد، لكن ده محصلش
– تطور مهم تاني هو أنه إدارة ترامب بتبحث تعليق مساعدات غير إنسانية لأثيوبيا قيمتها حوالي 400 مليون دولار سنويا، لكن لحد دلوقتي مش واضح ايه هي حزمة المساعدات دي، وهل لو استمر الموقف الأثيوبي كدا مصر حتقدر تضغط في تعليق مساعدات أكثر لأثيوبيا خاصة أنه تقريبا صندوق التنمية الأمريكي DFC ليه استثمارات تقارب 5 مليار دولار في أثيوبيا في السنة اللي فاتت.
– زي ما قولنا قبل كدة الموقف الأمريكي رغم أنه هو أقرب للموقف المصري إلا أنه مش مضمون حدود التدخل الأمريكي في الموضوع وقدرته على فرض إملاءات صريحة على أثيوبيا حيكون لحد فين، خاصة أنه الانتخابات الأمريكية على الأبواب والموضوع خاضع لعدد من العوامل الأخرى، منها تصعيد جو بايدن والديمقراطيين ضد ملف حقوق الإنسان في مصر بشكل خاص وانتقاده للعلاقة الوثيقة بين ترامب والرئيس السيسي.
– واللي معناه إنه صحيح إدارة ترامب مقدمتش كتير في الصراع مع أثيوبيا لحد دلوقتي رغم علاقتها المميزة بالسلطات المصرية، لكن ده معناه إنه الوضع ممكن ميكونش أفضل مع إدارة جو بايدن اللي عندها خلافات كبيرة مع السلطة المصرية.
*****
ايه الخيارات المتاحة دلوقتي؟
– لسه قدامنا خيارات دبلوماسية ودولية متاحة بعيدا عن الخيار العسكري، أهم الخيارات دي هي:
1- مصر مكملة في مسار التفاوض تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، لكن المفترض أنه المسار ده واضح إنه مش هيجيب نتيجة إيجابية أبداً، وبالتالي لازم الخارجية المصرية تتحرك بسرعة في تحديد سقف نهائي للمفاوضات دي، لأنه عامل الزمن مهم جدا، ولازم نخلص من التسويف الأثيوبي.
2- المفروض أنه مصر تواصل التحرك بأكبر قدر ممكن من التركيز في مسار مجلس الأمن، والمحافظة على التوافق الحالي مع السودان لإنه فعلا خلا موقف الدولتين أقوى بكتير في الدفاع عن حقوقهما دوليا، خصوصا مع الضرر البالغ اللي بدأت السودان تتعرض ليه الأيام اللي فاتت من انخفاض معدلات مياه النيل.
3- اللجوء لمحكمة العدل الدولية هوا خيار آخر ممكن إن مصر تطلبه من مجلس الأمن، واستعرضنا سابقا أحكام أصدرتها المحكمة في قضايا شبيهة.
4- بشكل محدد كامل إنتاجية سد النهضة من الكهرباء هتكون ٦٠٠٠ ميجا وات، وده رقم مش ضخم وممكن يتم توفير بديل ليه، خصوصاً إذا عرفنا إنه طاقة محطات سيمنز الألمانية البخارية التلاتة اللي اتعملت في مصر تبلغ ١٤٠٠٠ ميجاوات يعني أكتر من ضعف إنتاجية السد، ودي ورقة كويسة جداً لتحفيز وتشجيع أثيوبيا وإحراجها كمان ودفعها لعمل اتفاق عادل وملزم بخصوص تشغيل السد.
5- زي ما قلنا قبل كدة مهم نتحرك على المستوى الدولي لاستصدار عقوبات دولية على أثيوبيا، ولو وصلت مصر لاستصدار قرار بفرض عقوبات على إثيوبيا أو على الشركات العاملة في السد دي ممكن تكون ورقة رئيسية بالتفاوض، لإن إثيوبيا في النهاية تهدف من كل قصة السد لجذب الاستثمار الأجنبي.
6- حالياً بعض المقترحات الأوروبية بتتكلم عن أهمية تقديم مكاسب وحوافز كبيرة لأثيوبيا، زي تأسيس صندوق تنمية ممكن يتم تمويله أوروبيا، وبالنسبالنا نتمنى يكون فيه مساهمة مصرية وعربية كبيرة.
7- وبالطبع مهم نواصل استعداداتنا العسكرية لأسوأ وآخر الخيارات، اللي نتمنى ميبقاش أبدا في أي لحظة هوا الخيار الوحيد، بسبب المخاطر الكبيرة اللي هتترتب عليه على المدى القصير والطويل، وأكيد الأفضل حلول سياسية والتعاون مع إثيوبيا والدول الافريقية بروح الاحترام الحقيقي والود بين الشعوب مش تعزيز الشحن السلبي المتبادل، لكن في النهاية لو اضطرينا ليه فهيكون نتيجة التعنت والتسويف واللامسؤولية بتاعت أثيوبيا.
– نتمنى كل التوفيق للمفاوضين المصريين، دي قضية أكبر من أي انتمائات أو اختلافات سياسية، ولو حتى عندنا تحفظات واعتراضات على كل مسار التفاوض وإدارة الملف طول السنين اللي فاتت، فده لاينفي أهمية إننا نشتغل للمصلحة العامة عشان نوصل للهدف الأساسي، وهو إننا نتجنب أكبر ضرر من السد ومحدش يتحكم في حجم المياه بتاعتنا.
*****